الوطني

الانتخابات المقبلة تصطدم بعدالة “مشكوك” في مصداقيتها

عندما يعلن 51 محاميا انسحابهم من التأسيس في قضية “الخبر” احتجاجا على ما وصفوه بـ”الاستغلال السياسي” للعدالة، من قبل السلطة، فذلك أمر في غاية الخطورة ومن شأنه أن يطرح العديد من علامات الاستفهام حول حقيقة المنظومة القضائية في الجزائر التي يقر دستورها بأن هناك فصلا بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، غير أن المحامي والناشط الحقوقي صالح دبوز ليس لديه شك في أن العدالة “لا هي حرة ولا مستقلة”، فكيف سيكون الأمر بالنسبة للجنة العليا لمراقبة الانتخابات التي تقرر إنشاؤها من قبل السلطة ونصف تركيبتها من القضاة ؟

يعد انسحاب 51 محاميا ضربة موجعة لجهاز القضاء على أكثر من صعيد، سواء من الجانب العددي الكبير لأصحاب الجبة السوداء، وهو سابقة أولى من نوعها، أو من جانب المكانة التي يحتلها هؤلاء المحامون في جبهة الدفاع، حيث يعتبرون من جهابذة رجال القانون وأكثرهم شهرة ونشاطا في الساحة الوطنية والحقوقية، وهو أمر له وزنه وتأثيره في المعادلة القانونية سواء داخل البلاد وحتى خارجه، خصوصا على مستوى المنظمات الحقوقية الدولية.

وأمام هذا المشهد المرسوم عن قطاع العدالة في الجزائر، حيث فقد رجال القانون ثقتهم في المنظومة القضائية التي يقول عنها وزير العدل في مختلف تصريحاته بأنها “مستقلة”، بينما تظهر الممارسة شيئا آخر حسب 51 محاميا تأسس في قضية “الخبر”، تريد السلطة تنصيب لجنة عليا لمراقبة الانتخابات قررت أن تكون 50 بالمائة من تشكيلتها تضم قضاة، وهو ما يجعلها محل علامات استفهام بخصوص مدى “استقلاليتها”، خصوصا أنها ستشرف على انتخابات سياسية.

الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات التي وردت في بيان مجلس الوزراء الأخير، مكونة من 410 عضو نصفها قضاة، وأريد بها الرد على مطالب أحزاب المعارضة التي اشترطت في أرضية “مزافران” ضرورة تشكيل لجنة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات وتحييد وزارة الداخلية من العملية، وذلك لمنع “التزوير” المسجل في المواعيد الانتخابية السابقة، باعتراف أحزاب الموالاة التي تحدثت عن “الكوطة”. واستعانت السلطة للمرة الثالثة بـ”القضاة” في تشكيل لجان مراقبة الانتخابات، وذلك في سياق الضمانات المقدمة لإقناع أحزاب المعارضة بالمشاركة في الانتخابات وعدم التشكيك في “نزاهتها”، غير أن النظرة التي لصقت بجهاز القضاء الذي يأتمر بـ”الهاتف”، من شأنها أن ترمي بظلالها وتزيد من رفض المعارضة لها. وضمن هذا السياق، أفاد محامو مجمع “الخبر” بأن انسحابهم من القضية التي رفعتها وزارة الاتصال لتجميد صفقة بيع أسهم المجمع إلى شركة “ناس برود”، يأتي انطلاقا من “قناعة تولدت لديهم بأن استمرارهم سيكون تزكية لمسرحية قضائية كان كل شيء فيها حاضرا إلا القانون!”. وعدد المحامون خروقات لا تحصى في القضية، تجعل من الحكم الصادر برأيهم “غير قانوني”.

كما يعد الانسحاب الجماعي لـ51 محاميا متأسسا في القضية احتجاجا على “الاستغلال السياسي” للعدالة، بطريقة أو بأخرى، ضربة لمصداقية اللجنة العليا لمراقبة الانتخابات. وأوضح المحامي خالد برغل في الندوة الصحفية قائلا “هذا القرار ليس تهربا من المسؤولية وهو قرار مسؤول ومدروس، لنقول كفى من توظيف القضاء.. كفى من خرق القانون.. كفى من استغلال القضاء لتصفية الحسابات لأغراض سياسية.. نقول إن القضية سياسية بامتياز ولما تدخل السياسة للقضاء يخرج القانون منها”.

وفي منظور المراقبين، إذا كانت قضية “الخبر” تجارية بحتة تخص بيع وشراء أسهم بين مجمع إعلامي وفرع “ناس برود” تحولت إلى قضية سياسية بامتياز دخلت فيها الوزارة الأولى وحزب الأفالان ووزارة الاتصال، فكيف سيكون الأمر بالنسبة للجنة مراقبة الانتخابات التي تعد سياسية بحتة لأنها مزكية لمن يفوز بالسلطة ؟ بالنسبة للمحامي خالد برغل “لما تدخل السياسة للقضاء يخرج القانون منها”، وهو ما يواجه اللجنة العليا لمراقبة الانتخابات، ليس فقط بالنظر إلى التجارب السابقة، حيث ظلت محل انتقادات من قبل الطبقة السياسية، بل فيها ما هو آت، بالنظر إلى أن القضاة مدعوون من قبل السلطة لتشكيل اللجنة الانتخابية العليا، بينما يمنع على “نادي القضاة” الذي جمع 2000 توقيع، من إنشاء نقابة للقضاة للدفاع عن حقوق السلك، بعد الضغوط الممارسة من قبل وزارة العدل، ما يعني أن السلطة القضائية يراد لها أن تتحول إلى وظيفة قضائية. ومن هذا الباب يرى رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية، موسى تواتي، في تصريح سابق لـ”الخبر”، أن “الهيئة التي وردت في بيان مجلس الوزراء، تكشف عدم جدية النظام في فرض شفافية الانتخابات، متسائلا هل القضاة الذين سيعينون في الهيئة سيكونون محميين من الضغوطات؟ هذه هي المسائل التي يجب مناقشتها قبل القانون”. بدوره، ناصر حمدادوش، القيادي في حركة حمس، أوضح أن “المعارضة تطالب بلجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات، وليست مجرد لجنة لمراقبتها، والواضح هو الإصرار على ثقافة التعيين، وليس الانتخاب بطريقة ديمقراطية في تركيبة اللجنة، وهو ما يطعن في استقلاليتها وشفافية عملها”، وهو ما يعني أن عامل الثقة مفقود حتى قبل رؤية هذه اللجنة مكرر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى