الوطني

“أنا ملتزم بتجسيد مطالب الحراك كاملة”

تبون مع وسائل الاعلام

استضاف رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أمس، بقصر المرادية، مسؤولي سبع وسائل إعلامية عمومية وخاصة، هي يوميات “الخبر” و”الشروق اليومي” و”لوسوار دالجيري” و”لوكوتيديان دورون” و”المجاهد” وقنوات “البلاد” و”الحياة” والتلفزيون العمومي، في لقاء إعلامي يأتي لينهي عقدين من القطيعة بين أسرة الإعلام والرئيس.

اللقاء الذي تعهد الرئيس بتنظيمه دوريا، وتميز بالكثير من العفوية، بعيدا عن المألوف من إجراءات بروتوكولية صارمة، وعلى مدى أكثر من ساعتين، أجاب رئيس الجمهورية على ما لا يقل عن 28 سؤالا غطت العديد من الملفات المطروحة للنقاش، كالمشاورات وتعديل الدستور والغاز الصخري والفساد والأزمة الاقتصادية والتحويلات الاجتماعية والحرب في ليبيا والعلاقات الجزائرية – الفرنسية.

باشرتم سلسلة من اللقاءات مع شخصيات وطنية وقيادات حزبية.. متى وكيف ستنتهي هذه المشاورات؟ هل بندوة وفاق وطني؟ وهل ستتم بلورة أفكار هذه الشخصيات في تعديل الدستور القائم؟ وهل ستوجهون دعوة للرئيس الأسبق ليامين زروال للمشاركة في المشاورات؟

المشاورات ستستمر، أنا أعرف طبعا بدايتها لكنني لا يمكن أن أعرف متى ستنتهي، هناك شخصيات أخرى من صناع الرأي ومن ذوي الخبرة والمعرفة المهمشين، علما أن هذه المشاورات لم تكن مجرد لقاءات بروتوكولية بل تناولت وتتناول أمهات المشاكل وستؤخذ كل الأفكار بعين الاعتبار، هناك مسؤولون سابقون بإمكانهم أن يساهموا في إنتاج أفكار مهمة خاصة وأنهم يحملون قبعتين، قبعة المساهمة في تسيير شؤون الدولة وقبعة الاختلاط بالمواطنين البسطاء، هؤلاء أيضا يجب أن يسمع لهم، مع التأكيد أن عصارة هذه الأفكار ستجد لها طريقا إلى الدستور الجديد. وأذكركم بأنه من واجبي كسر الجليد بين الجزائريين، كما أذكركم أيضا بأنني لست من أنصار الانفراد بالرأي.

وكما أنني أتوجه بخالص الشكر لكل الذين التقيتهم لحد الآن، فإنني أكن مودة خاصة للرئيس ليامن زروال الذي عرفته قبل أكثر من ثلاثين سنة، عندما كنت أمارس مهامي بولاية باتنة، وكان هو رائدا في الجيش الوطني الشعبي يدير مدرسة الدبابات في نفس الولاية.. سي ليامين جزائري قح، نزيه لا يجامل ووطني ولم يخدع أبدا، إلى جانب أنه معروف بالعطف على البسطاء، هناك ظروف خاصة منعته من القدوم إلى العاصمة لكنني تحدثت معه هاتفيا، فمهم جدا الاستماع إلى رأيه في القضايا الكبرى فهو جزء لا يتجزأ من المشاورات نظرا لما يحمله من تجربة طويلة وثرية كمواطن وكقائد عسكري وكرئيس للجمهورية، لهذا فإنني مستعد للقائه بمجرد قدومه للعاصمة، بأن أستقبله في الرئاسة أو أن أزوره في بيته.

هل تدخل هذه المشاورات في إطار الاستماع إلى مطالب الحراك وتطلعاته؟

لو عدتم إلى الأرشيف فإنكم ستجدون بأنني وصفت الحراك بـ”المبارك”، وأؤكد لكم اليوم بأنني متعهد باستكمال مطالب الحراك، هناك ما تحقق من تلك المطالب وهناك ما هو في طريقه للتحقيق، وأنا مازلت عند التزامي بتجسيد تلك المطالب كاملة، وصولا إلى ديمقراطية حقة ومحاربة الإقصاء والفساد وأخلقة المجتمع وتعديل الدستور.

أما عن الشخصيات التي زارتني وهل هي من الحراك أم لا، أنا لم أطرح على نفسي هذا السؤال، الأكيد أنها شخصيات لها قيمة كبيرة في المجتمع، وقد أبلغوني بعدد من المطالب، كما هو الشأن بالنسبة لإجراءات التهدئة، كما أبلغوني بمخاوفهم من تجارب تعديل الدستور السابقة التي انتهت إلى دساتير فصلت على المقاس، وأكدت لهم بأنني لا أحمل أي دستور، ولا أفكر أبدا في وضع تصور فردي لنفس الدستور، ما في الأمر أن الدستور الحالي غير قادر على اقتراح حلول لأزمات أصابت الجزائر وقد تصيبها في المستقبل، لأنه جاء محملا بالكثير من الثغرات، والديمقراطية تفرض علينا الذهاب إلى أبعد حد في مجال الإصلاح دون المساس طبعا بالدولة الوطنية، وهنا أشدد على أن الشعب الجزائري فصل في هويته، وبالتالي فإنها ستكون بمنأى عن أي تعديل.. أعترف بأن البعض عدل الدستور لغاية في نفس يعقوب، لكنني اليوم ألتزم أمام الشعب بأن هدفي فقط هو الوصول إلى دستور بإمكانه حماية الجزائر من الدخول في أزمات مستقبلا.

متى يتم تعديل الدستور ومتى تجري الانتخابات التشريعية المسبقة؟ وهل تفكرون أيضا في الدعوة إلى انتخابات محلية مسبقة؟

بودي أن أوضح أمرا أراه غاية في الأهمية، وهو أنني حددت الأطر التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في الإعداد لمسودة الدستور، وهي الأطر التي تلخص مطالب الحراك بصفة خاصة والشعب الجزائري عموما، لكن اللغة القانونية التي يجب أن يكتب بها الدستور فهي مجال اختصاص الخبراء، بعد الانتهاء من تحرير المسودة، سيتم عرضها للنقاش، عبر توزيعها على كل فئات المجتمع، أطباء ومحامون وأساتذة ونقابات و… قبل أن تجتمع لجنة الخبراء مرة أخرى لتضمن الوثيقة الأولية للدستور إنقاصا أو إضافة ما خلصت إليه المناقشات، ثم تعرض النسخة النهائية على البرلمان للمناقشة والتصويت، ما سيسمح للمواطنين بالتعرف أكثر على محتوى الوثيقة وتفاصيلها عبر متابعة هذا النقاش، قبل أن تعرض نفس الوثيقة على الاستفتاء الشعبي، الذي سينظم تحت إشراف الهيئة المستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، والرأي الأخير سيكون للشعب الجزائري، لأن الهدف كما سبق وأن قلت هو الوصول إلى دستور توافقي وليس إلى دستور مفصل على المقاس. وبهذه المناسبة أذكر بأننا يمكن أن نصل إلى اعتماد دستور يكون من أجمل الدساتير، لكن المهم في النهاية مدى تطبيقنا لما حمله هذا الدستور.

وفي حال وافق الشعب على النسخة الجديدة من الدستور، فإن ترسانة جديدة من القوانين يجب أن تعتمد، فبعض القوانين المعتمدة اليوم قد تصبح غير دستورية ووجبت مراجعتها.

تعديل قانون الانتخابات يأتي بالضرورة في المرتبة الثانية في رزنامة تعديل النصوص المسيرة للجمهورية، وأتعهد بأن القانون الجديد سيكون صارما في تجريم استعمال الوسائل غير القانونية للوصول إلى المناصب التمثيلية، لأن الهدف الأساسي هو الوصول إلى طبقة سياسية جديدة، وإلى نخبة جديدة من المنتخبين، ولم يعد خافيا على أحد ميولي إلى منح الفرصة للجيل الصاعد وإلى الكفاءات العليا.

نظريا عمل لجنة الخبراء سيستمر شهرين، والنقاش حول المسودة شهرا واحدا، أي أن النسخة النهائية ستكون بين أيدينا بعد أربعة أشهر، أي أننا سننتهي من عملية إطلاق الدستور الجديد بعد رمضان المبارك، أما التحضير لقانون الانتخابات سيتم بالتوازي، مع الإشارة إلى أن النسخة النهائية لن تحرر قبل الحصول على الدستور الجديد حتى تكون موافقة له، وعلى هذا الإيقاع فإنه من الطبيعي إجراء انتخابات قبل نهاية السنة، خاصة تلك المتعلقة ببعض الهيئات المنتخبة التي تحوم حولها شبهات.

ما أؤكد عليه أن العملية كلها تهدف إلى تطهير المحيط السياسي والانتخابي، وإلى تجريم الاستعمال الفاسد والنفوذ في العمليات الانتخابية، وتشجيعا لبروز نخبة سياسية جديدة وشابة يمكن للدولة مثلا أن تتكفل بمصاريف الحملة الانتخابية لأي مترشح شاب يخوض التجربة للمرة الأولى.

ركزتم على المشاورات السياسية وخطوات صياغة مشروع الدستور، فيما غابت، حسب البعض، ولحد الآن القرارات الاقتصادية.. هل يعود هذا لصعوبة الوضع الاقتصادي، أم أنكم تعبّدون الطريق لذلك عبر الإصلاح السياسي؟

أذكركم بأن الأصل هو أن السياسية هي التي تخدم الاقتصاد وليس العكس، وأعترف بأن إعادة بناء الاقتصاد عمل شاق، هناك قرارات استعجالية اتخذنها ونتخذها لإنقاذ الموقف، وهناك قرارات أخرى تتعلق بالمديين المتوسط والبعيد ستتخذ في حينه.

بصراحة اقتصادنا مبني على التجارة والاستيراد الذي قتل الإنتاج الوطني، فالاقتصاد هو أساس الثروة، وأما ذلك الذي لا يخلق الثروة فهو اقتصاد سياسي، والجزائر ليست بحاجة إليه. نحن اليوم نحتاج إلى خلق أرضية صناعية صلبة قوامها الكفاءات، تعتمد أساسا على المؤسسات الناشئة، وعليه فإنه من واجبنا توفير كل الجو المناسب للشباب الخلاق، فهو الذي سيصل بنا إلى تحقيق هذه المعادلة، ونحن مستعدون لدعمهم عبر إنشاء صندوق أو بنك متخصص، ومن النماذج التي يقتدى بها في هذا المجال الشبان الثلاثة الذين التقيتهم بمناسبة معرض الإنتاج الوطني، فقد أطلقوا مؤسسة نجحت في خلق ما لا يقل عن 70 منصب شغل في ظرف 7 أشهر فقط. وفي هذا الاتجاه تحدثت مع الباحثين الجزائريين في الولايات المتحدة الأمريكية، حبة ومليكشي، وعبّرا عن استعدادهما المطلق للمساهمة في الأخذ بيد هؤلاء الشباب وتوجيههم.

وبهذه المناسبة أؤكد بأنني لست أبدا في صراع مع أحد، لكننا يجب أن نعترف بأن التوجه القديم لا يأتي بنتيجة، أيعقل مثلا أن مؤسسات ناشئة سدت في وجهها كل الأبواب فاستثمرت في بلد عربي وهي اليوم تصدر للجزائر، هذا ما يدفعني إلى التشديد على أن الكفاءات الجزائرية مرحب بها أينما كانت.

أنا ضد الاستثمارات الصناعية الثقيلة، التي تستهلك الكثير من الموارد في الدراسات، كما أن نتائجها محدودة، بل وتزيد من تبعيتنا للخارج الذي يزودنا بالآلات والخبرات والمواد الأولية، فلا عجب إذن أن تجدني من أشد المدافعين عن خيار الاستثمار في المؤسسات الناشئة.

وتلاحظون بأنني لم أؤجل أبدا الخوض في الاقتصاد، فنحن اليوم في قلبه، وهذا ما يدفعني إلى القول بأنه من العيب على الجزائر استيراد الآلات الكهرومنزلية، عيب علينا استيرادها مفككة لتركيبها في الجزائر، رغم أن هذا النوع من الصناعات صار سهلا ومتحكما فيه، والدليل على أن التوجه إلى خيار التركيب “آس كا دي” و”سي كا دي” لم يكن موفقا لتطوير الاقتصاد الوطني، هو أن مصنعا للتركيب لا يوظف أكثر من 400 عامل. كل الناس توجهت إلى نفخ العجلات وهذا لا يمت للاقتصاد بصلة.

نفس المعاينة يمكن أن نجريها على قطاع الفلاحة، حيث لم نهتم بنشاطي التصنيع والتحويل، كما هو معمول به في الدول الرائدة فلاحيا كإسبانيا، فتحول نشاطنا الفلاحي إلى نشاط دوري، وهي سمة من سمات الاقتصادات المتخلفة.

نحن اليوم حريصون أشد الحرص على إصلاح ما تم إفساده، عبر أخلقة النشاط الاقتصادي. تعلمون أن الاستثمار جبان، وفي الجزائر هناك ما يكفي من المظاهر التي تشعر أي مستثمر بالخوف، ومن ذلك سياسة العقاب الجماعي وتذبذب المنظومة القانونية، ومواجهة ذلك ضرورية عبر دمقرطة الحياة السياسية.

الملف الاقتصادي صعب ومعقد لكنني متفائل جدا في مستقبل أجمل.

ينتظر المواطن تغييرا جذريا وشاملا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.. ماذا عن قيمة الدينار والأجور والقدرة الشرائية والتوظيف والسكن واستيراد السيارات الأقل من ثلاث سنوات؟

انخفاض قيمة الدينار يؤثر حتما في ارتفاع الأسعار، ولا أخفيكم أن خيار التمويل غير التقليدي ساهم في ذلك، ومن واجبنا سد هذه الثغرة، ولا أخفيكم بأننا سجلنا في الفترة الأخيرة انتعاشا طفيفيا في احتياطي الصرف، في انتظار أرقام مفرحة قد تصلنا بعد 6 أو 7 أشهر. وضعنا المالي ليس مزريا ولكنه ليس عاديا أيضا، لكننا سجلنا تحسنا خلال هذه الفترة، كما هو الشأن بالنسبة للدخل الجبائي الذي بدأ يرتفع. لكنني أؤكد بالمناسبة أننا لن نقلص الاستيراد حتى نحرم المواطن من احتياجاته، فقط وجبت الإشارة إلى أن الاستيراد يجب أن يكون مكملا للإنتاج الوطني، فإذا غطى الإنتاج الوطني 25 بالمائة من الاحتياجات، سنستورد بالضرورة الـ75 المتبقية، لكن من غير المعقول استيراد 60 بالمائة من مادة يغطيها الإنتاج الوطني بنسبة 80 بالمائة، نحن هنا لخدمة مصالح الشعب الجزائري فقط وليس مصالح أخرى. وهنا ألتزم بأننا مستعدون لتقديم كل الدعم للمستثمرين الذين يساهمون في دعم الإنتاج الوطني عبر قروض قد تصل إلى 90 بالمائة من قيمة الاستثمار وعبر تسهيل استفاداتهم من العقار الصناعي.

وبالمناسبة أخبركم بأن بعض الضرائب والجبايات التي وردت في قانون المالية الأخير ستتم مراجعتها في غضون 6 أو 7 أشهر لضمان المزيد من العدالة الاجتماعية، وهذا القرار ليس شعبويا، لأن بعض الضرائب قد تقتل الضرائب وقد تضر بالاقتصاد، كما أن تأثيره محدود على الخزينة العمومية، فهو لن يكلف أكثر من 90 مليار دينار، أما الإعفاء الجبائي لذوي الدخول التي تقل عن 30 ألف دينار، فينص عليه قانون المالية التكميلي، كل هذه الإجراءات من شأنها الرفع من القدرة الشرائية للجزائريين، إضافة إلى الجهد الذي يجب أن يبذل في مجال مراقبة الأسعار.

بالإضافة إلى كل هذا فإننا متجهون إلى مراجعة دقيقة ومتأنية للحد الأدنى المضمون من الأجور، والتي ستمكن من الرفع الآلي للأجور. ويحركنا في هذا المسعى والمساعي الأخرى رفضنا المطلق لهذا الفقر المزري الذي يغرق فيه كثير من الجزائريين، هو رفض ديني وأخلاقي وسياسي، وعليه فلا رجعة عن رفع القدرة الشرائية للجزائريين، كما أنني أغتنم هذه الفرصة لأقول إن رفع أسعار المواد المدعمة من طرف الدولة خارج الأطر القانونية خيانة وطنية وعلى الذين يقدمون على ذلك أن يترقبوا عقابا نموذجيا.

ألا تعتقدون أن ملف الغاز الصخري أسيئ تسييره؟

النقاش حول موضوع الغاز الصخري يحتاج إلى أن يتم في جو هادئ، ويجب أن يقوده الخبراء والأخصائيون الحقيقيون بعيدا عن التشنج والاستغلال السياسي، وهنا أسجل أن المواطن راح ضحية لأخطاء جعلته، وهو يعذر على ذلك، يشعر بالرعب من الغاز الصخري، فهو لم يحظ نفسيا لذلك، كما أنه لم يمكن من كل المعطيات الموضوعية التي تجعله يفهم الموضوع جيدا، فالسكان في عين صالح مثلا تفاجأوا ذات صباح بنار تنبعث من بئر للغاز الصخري، دون سابق شرح أو إعلام، كما أنه ليس من الحكمة البدء في التنقيب وسط أماكن آهلة بالسكان، بل إن الأمر دخلت فيه الشعوذة في بعض المناطق.

علينا أن نتذكر أن الاستهلاك الوطني من الغاز الطبيعي بلغ 43 بالمائة مما ننتجه، والرقم مرشح للارتفاع حتى يصل إلى 60 بالمائة مع تزايد عدد السكان، أي أننا وبهذه الوتيرة لن نصدّر في المستقبل سوى 40 بالمائة من الإنتاج، وتعلمون أن الجزائر تعتمد أساسا على تصدير الغاز.. في هذه يحق لي أن أطرح على الجميع سؤالا يقول: ما العمل؟

في المقابل، وبعيدا عن النقاشات الفلسفية غير المجدية، هناك الكثير من الدراسات المطمئنة التي تؤكد علميا وبما لا يدع أي مجال للشك، أن استغلال الغاز الصخري لن يؤثر أبدا على البيئة، وبأن مخزوننا المائي لن تصله مطلقا عمليات التنقيب والاستخراج، بدليل أنك تجد في الولايات المتحدة الأمريكية آبارا للنفط الغازي تعد بالآلاف وسط الأحياء السكنية: هل الأمريكان غير مدركين للأخطار التي قد تنجم عن هذا النشاط؟ بالتأكيد لا.

استغلال الغاز الصخري سينقذ الاقتصاد الجزائري من كارثة محققة، فنحن نملك ثاني أو ثالث احتياطي في العالم، بعض المناطق في بلادنا تنام على محيطات من الغاز الصخري، هي نعمة وثروة مدفونة لِمَ نحرم أنفسنا منها؟

ورغم كل هذا، فإنني أؤكد لكم أنني لن أنفرد برأيي في هذا الموضوع الحساس، فقط أدعو إلى فتح نقاش وطني حقيقي وموضوعي حوله، مع الأخذ في عين الاعتبار أن للجزائر في مجال إنتاج الغاز وتصديره منافسين ليس من مصلحتهم أن تتحول الجزائر إلى دولة رائدة وقوية في هذا المجال.

كيف يمكنكم التوفيق بين إصلاح الوضع الاقتصادي وما يترقبه المواطنون على المدى البعيد، في حين تتوجه اقتصادات العالم نحو الركود؟ وكيف تنظرون إلى قضية التحويلات الاجتماعية التي تكلف الخزينة العمومية الكثير، لكنها في المقابل تعتبر علامة مميزة للدولة الجزائرية؟

أنا لا أتفق تماما مع هذا الطرح، فالنمو يعود إلى أمريكا وبعض الدول الأوروبية، قد يكون هناك جمود اقتصادي، لكنه بالتأكيد ليس ركودا، بعض المؤسسات المالية تتكهن للجزائر نسبة نمو تصل 2 بالمائة مع نهاية السنة الجارية، لكنني مطمئن إلى أن الجزائر ستحقق نسبة أعلى تكذب تلك التكهنات، لأن النمو في بلد مثل الجزائر يكون أسرع لأننا نكاد ننطلق من الصفر وهامش التطور سيكون أكبر من التوقعات.

فيما يتعلق بالتحويلات الاجتماعية فإنني أؤكد على أن هناك جزءا من المكتسبات الوطنية في هذا المجال، كما هو الشأن بالنسبة لدعم المواد الأساسية، فإنها لن تمس، لأنني أحمل قناعة راسخة بأن ما حمله لنا بيان الفاتح نوفمبر الذي ينص على “دولة جزائرية اجتماعية” هو الفيصل ولا حياد عن ذلك.، وأذكر أهنا أنه ليس من المعقول أن يتساوى ما تصرفه الدولة على التحويلات الاجتماعية، أي ما يقارب الـ 17 مليار دولار، يوازي مع ما تصرفه على استيراد الخدمات.

هناك نقاش مطروح حول مدى عدالة ما تقدمه الدولة من دعم، فهل من العدالة مثلا أن نقدم الدعم لمن دخله 5 ملايير سنتيم في السنة كما نقدمه لمن دخله 100 أو 50 مليون سنتيم؟.. هذا يفرض علينا نقاشا وطنيا لتحديد شروط الاستفادة من الدعم وآليات صرف ذلك، لكن ليس الآن، لأن النقاش يجب أن يكون في ظل الدولة الجديدة.

عادت الهجرة غير الشرعية مؤخرا لتحتل الصفحات الأولى لوسائل الإعلام، كيف تتصورون الحل لهذه الظاهرة؟

أتألم كما تتألمون من هذه الظاهرة التي تعبر في بعض جوانبها عن الرغبة في الانتحار، لأن المقدمين على الحرڤة يعلمون أن البحر سيبتلعهم بنسبة 50 بالمائة. الفقر يمكن معالجته، والتذمر من الوضع السياسي يمكن أيضا معالجته، بفضل الذهاب إلى الجزائر الجديدة، لكن المهتمين بهذا الملف يسجلون العشرات من الأسباب الأخرى التي تدفع ببعض الجزائريين للإقدام على الحرڤة، فبعض من أقدموا على ذلك أطباء وبعضهم موظفون. إنه ملف شائك ومؤلم، علينا أن نتكاتف من أجل معالجته. وأنتم الإعلاميون يناط بكم دور كبير في ذلك.. في المقابل، أشير إلى دوري كرئيس للجمهورية، وهو أن أطالب وبشدة الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين بعيدا عن أي إهانة أو مساس بكرامة مواطنينا، فهم من حقهم أن يطبقوا قوانينهم على من يدخل ترابهم بطريقة غير شرعية، لكن ليس من حقهم أن يمسوا بكرامتهم، وهذا ما قلته لمن تحدثت معهم من المسؤولين الأوروبيين: إذا جاءكم أحد مواطنينا بطريقة غير شرعية أعيدوه إلى بلاده دون أي إهانة.

تطالب أسرة الإعلام منذ سنوات طويلة بإعادة الاعتبار للصحفي كمهنة وللصحافة كنشاط، حرية ومنظومة قانونية واجتماعا واقتصادا، وكنتم قد وعدتم بأن برنامجكم الإصلاحي سيولي أهمية خاصة لهذا الموضوع.. هل بإمكان تنوير الرأي العام بالخطوات العملية التي تنوون إطلاقها لتحقيق ذلك؟

أنا ملتزم أمامكم وأمام الشعب الجزائري بأنني سأضمن الحرية المطلقة للصحافيين في ممارسة مهامهم وسأحميها إلا فيما تعارض مع قوانين الجمهورية، وتعلمون أنني منذ البداية أعلنت الحرب على الأخبار المغلوطة، كما أنني أعي جيدا أن القطاع يعيش فوضى، حتى صرنا لا نفرق بين الصحافي الدائم والمتعاون، من هو المراسل ومن هو المحقق ومن هو الصحافي المتخصص؟ وهو ما أثر سلبا على الالتزام بقواعد المهنة وأخلاقيتها، بالإضافة إلى أن الكثير من الصحافيين يتقاضون رواتب قد تقل عن الحد الأدنى المضمون من الأجور، وكثيرون منهم غير مؤمنين اجتماعيا، وهذا وضع لا يمكن أن يستمر. لهذا أجدد لكم التزامنا بتقديم كل الدعم للصحافيين، ولا فرق لدينا بين صحافي في القطاع العام وآخر في القطاع الخاص. الصحافة في نظرنا شريك، وهذه قناعة راسخة، ومستعدون أيضا لتقديم الدعم الكامل لأسرة الإعلام حتى تتنظم بالشكل الذي تراه مناسبا. أما فيما يخص القنوات التلفزيونية فلها منا أيضا كل الاهتمام، وهنا أسجل أن سلطة دعم السمعي البصري لم تقم لحد الآن بدورها، ولهذا أوصيت رئيسها الجديد بأن يطلع على التجارب الرائدة في هذا المجال حتى نستلهم منها الأحسن، كما أنني أدعو الإخوة الصحافيين إلى أن يتجمعوا لينتخبوا ممثليهم في سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي نسعى إلى أن ترى النور قبل نهاية السنة.. إصلاح القطاع ضرورة، فكما تعلمون هناك ما لا يقل عن 160 جريدة تصدر في الجزائر، ألا تعتقدون أن هذا الرقم مبالغ فيه، نحن مطلعون على تفاصيل الوضعية التي يعيشها قطاع الإعلام وبمساهمتكم سنصحح المسار.

إصلاح المنظومة التربوية موضوع يشغل بال كل الجزائريين ومطلب مشترك بينهم.. كيف تنظرون لهذا الموضوع الحساس؟

كل الجزائريين يطالبون بالتغيير الجذري في المنظومة التربوية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إدخال الإيديولوجيا في التعليم ممنوع البتة، فالأساس في أي منظومة تعليمية هو المواطنة، وأنا أعتقد أن حشو الرؤوس لا ينفع، أولادنا يذهبون إلى المدارس اليوم وكأنهم متجهون إلى الجحيم، دعوهم يتمتعون بطفولتهم وعلموهم بما يتلاءم وعصرهم وبوسائل عصرهم، أيعقل أن نفرض على التلاميذ حمل محافظ أثقل من وزنهم، أليس من الأجدى توفير لوحات إلكترونية لهم يحملون فيها كل كتبهم الدراسية.

في المقابل، أقول إنني ملتزم بتحقيق كل المطالب الاجتماعية للأساتذة، فأنا مدرك تماما بأن المنظومة تعاني من مشاكل في التأطير، كإدراكي بأن الأساتذة يعانون من عدم التوازن بين مداخيلهم ومستواهم، كل هذا مفهوم ومشروع، لكن على نفس الأساتذة أن يتفهموا بدورهم أنه ليس بالإمكان تحقيق كل مطالبهم دفعة واحدة، لأن ذلك سيسبب مشاكل كثيرة، على رأسها أن التلميذ يدفع في كل مرة الثمن.

بالموازاة، أقول إنني لن أتسامح بتاتا مع المتسببين في معاناة أبنائنا الذين يسيرون في الأوحال للوصول إلى مدارسهم، والذين يتناولون وجبات باردة بالمطاعم المدرسية في عز الشتاء، هذه جريمة وسيعاقب كل من ارتكبها. هل ذنب هؤلاء التلاميذ أنهم ينتمون إلى أسر بسيطة؟ أيعقل أن يتوفر النقل المدرسي للتلاميذ القاطنين في المدن الكبرى والأحياء الراقية ولا يستفيد منه أبناؤنا المعوزون. وهنا أقول للأساتذة: أضربوا دفاعا عن هؤلاء وسأكون أول مؤيد لكم.

ما هي الإجراءات القانونية التي تعتزمون اتخاذها لاسترجاع أموال الدولة المنهوبة، وتسلم المطلوبين من العدالة الجزائرية الموجودين في الخارج؟

أنتظر الإشارة الخضراء من العدالة التي لم تفصل بعد في هذه الملفات، ومباشرة بعد أن تفصل العدالة سنباشر إجراءات استرجاع الأموال وتسلم المتهمين، المباني المتواجدة في الخارج والمعنية بهذه العملية معروفة، يبقى أن نعرف الأماكن التي تتواجد بها الأموال، فبعضها موجود في الجزائر والبعض في بعض الجنات المالية، لكنني أطمئن الجزائريين بأن استرجاع الأموال واستلام المتهمين سيكون، لا إشكال مع الدول التي تربطنا بها اتفاقيات في هذا المجال، أما الدول الأخرى فسنعمل على إمضاء اتفاقيات معها.

وهنا أردت أن أسجل أن تهريب الأموال لا يتعلق فقط بالسرقات، ولكن أيضا بتضخيم الفواتير الذي كلف الاقتصاد الوطني أموالا خيالية. كما أسجل أننا ماضون في عملية مكافحة الفساد ودون هوادة، دون تجاهل الرشوة الصغيرة التي تضرب جيوب المواطنين بشكل مباشر. هذه الجرائم التي تزيد من معاناة كثير من الجزائريين ستواجه بكل الحزم والقوة، حتى لو تطلب الأمر وضع كاميرات في كل محافظة شرطة ومركز جمارك وبلدية. أيعقل أن يطالب المواطن الجزائري مثلا بدفع رشوة من أجل الظفر بمكان جيد لدفن فقيده؟ لن نسكت عن هذه السلوكيات مستقبلا وسيدفع أصحابها الثمن غاليا.

تزخر الجالية الجزائرية في الخارج بالعديد من الكفاءات في شتى المجالات، وقد أبديتم اهتماما كبيرا بها واتخذتم قرارات في الأيام الأولى من عهدتكم، مثل نقل جثامين المتوفين بالمجان.. إلى أي مدى تسعون للاستفادة من جاليتنا في المهجر في المجالين الاقتصادي والعلمي؟

سبق أن قلت إن كل الكفاءات الجزائرية المتواجدة في الخارج مرحب بها في بلادها، وستجد منا كل الرعاية والاهتمام. وبالمناسبة، أنا أتفهم تماما أن إشكالية ازدواجية الجنسية قد تمنع بعض أبنائنا في الخارج من المساهمة في البناء الوطني، وأنا تعهدت بحلحلتها بما يتناسب والمصلحة الوطنية، فالتعميم في هذه الحالة أضر بأبنائنا كما أضر بمصلحة الجزائر واحتياجها للاستفادة من كل خبرات وكفاءات أبنائها المغتربين.

عدتم من برلين حيث مثلتم الجزائر في مؤتمر حول ليبيا.. إلى أي مدى لمستم تجاوبا لدى أطراف النزاع الداخلية والخارجية المعنية بالملف الليبي مع مقاربة الحل السياسي والحوار الجزائرية. ومن ذلك استعداد الجزائر لاحتضان حوار بين الفرقاء الليبيين؟

هناك إجماع دولي على المقترح الجزائري، أول أمس بارك وزير الخارجية الفرنسية المساعي الجزائرية، وهو ما لمسناه أيضا لدى الدول المعنية بالملف الليبي، ولمسناه أيضا لدى كل الفرقاء الليبيين، فالسراج أعلن استعداده للمشاركة في الحوار الذي دعت إليه الجزائر، ونفس شيء بالنسبة لممثلين عن الجنرال حفتر.. لأن الجميع يعلمون أن للجزائر تقاليد عريقة في الوساطة، وأنها لا تملك أدنى نية في بسط نفوذ ما أو البحث عن البروز الدبلوماسي، كل ما تسعى إليه الجزائر هو مد اليد لشعب شقيق يعاني، لا ذنب له في حرب فرضت عليه وانتهت بتكسير دولته، وأنوه هنا بشجاعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اعترف بأن بلاده أذنبت في حق الشعب الليبي عندما دعت إلى الحرب هناك وقادتها.

ولن آتي بجديد عندما أقول إن السلم في ليبيا يعني حتما السلم في الجزائر، فليس من مصلحتنا استمرار الأوضاع على ما هي عليه، لأن ذلك يكلفنا أموالا طائلة نصرفها على حماية الحدود كان بالإمكان توجيهها لدعم التنمية.

لاحظنا في الآونة الأخيرة ما يمكن اعتباره شبه انعدام للاتصال والتواصل الرسمي بين الجزائر وفرنسا، هل هناك نية في مراجعة هذه العلاقات وإعادة النظر فيها وإعادة تقييم الشراكة بين البلدين؟

فعلا، العلاقات الجزائرية الفرنسية مرت بمرحلة فتور، وذلك بسبب التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر أيام الحراك. وفي هذا أشدد على أننا لسنا من صنع الفعل بل مواقفنا هي مجرد ردود فعل. الشعب الجزائري لا يقبل أن تمارس عليه بأي حال من الأحوال الوصاية من أي كان، فلسنا محمية لفرنسا ولا لغيرها، وهم يعلمون كم نحن حساسون فيما يخص سيادتنا الوطنية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمستعمر القديم. الفرنسيون تفهموا كل هذا واتفقنا على طي الصفحة. وهنا أذكر أن جزءا من المشكل هو وجود لوبيات في فرنسا، منها لوبي يكن كراهية خاصة للجزائر، أما نحن فلا لوبيات لنا، فقط نريد أن نعامل وفق قاعدة الند للند، كما نريد فقط الدفاع عن مصالحنا. وكما سبق أن قلت، فإن المياه بيننا بدأت تعود إلى مجاريها، خاصة فيما يتعلق بالملفات الدولية ذات الاهتمام المشترك.

هل تفكرون في إطلاق مبادرات لإحياء مشروع المغرب العربي؟ وما تعليقكم على خرق بعض الدول الإفريقية القوانين الدولية بفتحها قنصليات في مدينة العيون المحتلة؟

نحن من دعاة المغرب العربي دون أي شرط أو قيد ولن نحيد عن هذا الخيار، وأذكر هنا أننا لا يمكن تحت أي ظرف أن نشتم أي شعب فما بالك بالشعب المغربي الشقيق. وأجدد بالمناسبة التذكير بالموقف الجزائري المبدئي الداعم لحق الشعب الصحراوي في تحقيق مصيره، وهي تشترك في ذلك مع أغلب المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى