الوطني

بوتفليقة يحذر الجزائريين من “مغامرة خطيرة”

حذر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من “أية مغامرة خطيرة”، شبيهة بتجارب التغيير التي جرّت الفوضى والحروب الأهلية في بعض البلدان العربية. وكي يدعم هذا التحذير، دعا الرئيس الجزائريين إلى عدم نسيان فترة الإرهاب المدمر. وللتعبير عن ذلك، استعمل بوتفليقة كلمات دقيقة من شأنها أن تلقي الرعب في نفوس من عاش هذه الفترة.

الألفاظ المعبرة عن وحشية الإرهاب، التي استخدمها بوتفليقة في رسالة بعثها، أمس، إلى البرلمان بمناسبة المصادقة على تعديل الدستور، هي “إرهاب همجي” و”تحطيم أسس الدولة”، و”إنكار حق الجزائريين في الحياة” و”فظائع الإرهاب”، و”المحنة” و”جرائم شنيعة و”حصار” تعرضت له الجزائر وهي تحارب الإرهاب.

ويرى بوتفليقة أن “تعزيز استقرار مؤسساتنا وحماية وطننا من أية مغامرة”، تم بفضل ما سماه “إصلاحات التجدد الديمقراطي”، في إشارة إلى إدخال تغييرات على عدد كبير من القوانين واستحداث أخرى، بعد خطابه الشهير في 15 أفريل 2011. وقال إن المسعى سمح بالشروع في رصانة ومناخ هادئ، في إصلاحات سياسية معتبرة لصالح شعبنا، بالرغم من محيط أمني عدائي مثقل بالتهديدات، في زمن وجدت فيه بلدان أخرى نفسها، للأسف الشديد، بالرغم من رفض شعوبها، مستهدفة بأعمال عنف مبيتة لنشر الرعب والفوضى، واللذين نتج عنهما، فضلا عن ضخامة الخسائر في الأرواح والممتلكات، استمرار شبح اللااستقرار السياسي وتأجيل عودة السلم, الذي هو شرط أساس لكل تنمية”.

ويقصد الرئيس في هذا الجزء من رسالته، ضمنيا، سوريا وليبيا، وهما بلدان جرَّا التغيير فكانت النتيجة غرقهما في الفوضى، بحسب مفهوم بوتفليقة. ولمثل هذه البلدان يقول الرئيس: “أود أن أعرب, باسم الأخوة والقيم الإنسانية التي تحيي وتوحد القلوب في مواجهة محنة الآلام، وما عشناه في وطننا من هول الفظائع والجرائم الشنيعة المرتكبة خلال عدة سنوات، أود أن أعرب هنا، مرة أخرى، لهذه الشعوب الشقيقة عن تضامننا الفاعل وصداقتنا الثابتة.

البحث عن تجارب الآخرين مجازفة

وحذر بوتفليقة أيضا من التأثر ومن الرغبة في اتباع تجارب بلدان أخرى، في قضايا الديمقراطية والحريات، بحجة أن لكل بلد تجربته وفق خصوصيات مجتمعه. وقال بالتحديد: “لا يجب أن نتبنى نتائج خطابات ونقاشات، حتى ولو كانت صائبة، بتجاهل تاريخها وخصوصيات مجتمعها، لأن التبني الآلي لهذه التصورات الآتية من جهات أخرى، والتي لعلها استطاعت أن تحقق نتائج مفيدة في المجتمعات التي ولدت فيها، ينتج عنه، ليس فقط الابتعاد الخطير عن واقعنا الوطني، بل أيضا وخاصة، المجازفة بالتماثل مع هذه البلدان، والتوهم بالارتقاء إلى مستوى مجتمعات قد تشبعت بممارسة الديمقراطية منذ قرون”.

إذن، بالنسبة للرئيس بوتفليقة، من الخطأ الاهتمام بتجارب سياسية مثل التي وقعت في مصر وتونس وليبيا وسوريا، لأنها تضرب الاستقرار وتجلب الفوضى. ومن الخطأ أيضا البحث عن تجارب ناجحة في بلدان كبريطانيا، لأن الديمقراطية فيها بعيدة عنا بسنوات ضوئية.

ويشبه هذا الخطاب، الذي قرأه عبد القادر بن صالح، إلى حد بعيد تصريحات موالين للرئيس أيام حملة انتخابات 2014، جاء فيها بأن اختيار رئيس آخر غير بوتفليقة، معناه فتح الباب أمام وضع خطير كالذي تعيشه ليبيا.

ويرى الرئيس أن الجزائريين قادرون على صناعة نظام سياسي يليق بهم، انطلاقا من تاريخهم. وعبر عن ذلك بقوله: “أنا من الذين يعتقدون أن كل مجتمع إنساني قادر على الاختراع، قادر على أن يصنع بكل سيادة، وفق إيقاع تاريخه السياسي الخاص وطموحات شعبه، نظاما سياسيا، هو ذاته نتاج ذلك التاريخ، ومستوحى، من جهة أخرى، من القيم والمبادئ العالمية، تلك هي قناعتي، وذلك هو الطموح العميق لشعبنا”.

دعوة الجزائريين إلى مواجهة الأخطار

وأضاف: “أبدا، لم يساور شعبنا أدنى شك في قدرته على تجاوز المصاعب، كلما وضعه القدر في مواجهة أخطار تهدده، فقد عرف كيف يتحصن بتبصر، ويبرهن على ثباته ومثابرته وصرامته, دون أن يضطرب أو يتزعزع، رافضا كل شكل من أشكال الانهزامية والاستسلام للأمر الواقع المفروض. شعب وفي لذاته، واثق من قوة شبابه، شباب اليوم الغد، إذ ليس من الصدفة أن يأتي هذا التعديل بتكريس ضمان الدولة للموارد الطبيعية، وكذا الحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة”.

وتناول الرئيس في خطابه، بشكل خاطف، أزمة شح الموارد المالية بسبب تقلص المداخيل من العملة الصعبة، إذ قال: “إذا كان فعلا أن الآثار الاقتصادية المترتبة عن انخفاض أسعار المحروقات، على غرار بلدان أخرى، بإمكانها أن تؤثر حاليا على إعادة تقويم وتيرة الأولويات الوطنية، فإنها لن تؤثر على إرادتنا في حماية الجانب الاجتماعي”. ويعني ذلك أن خطة التقشف التي اعتمدتها الحكومة لن يتمخض عنها، بأي حال، تخلي الدولة عن التزاماتها على الصعيد الاجتماعي.

وشبه الرئيس المعركة المفروضة على الجزائريين للتغلب على الأزمة المالية، بفترة الصراع مع الإرهاب والتغلب عليه، وقال تحديدا: “إن المعركة ضد الإرهاب لم تفرض على بلادنا تجميد مؤسساته، ولم توقف مسار تعميق الديمقراطية التعددية، ولا أن تتجاهل جهود التنمية الوطنية. بل بالعكس، فقد عززت هذه المعركة في آن واحد، من إصرار شعبنا على رفع التحديات وتعبئة الطاقات لتحقيق المزيد من المكاسب الديمقراطية ومواصلة وتيرة البناء الوطني.

“جيلنا أدى ما عليه”

وأبدى بوتفليقة رضا عن نتائج السياسات التي ينفذها منذ 1999، وأفاد بأن وضع الجزائر اليوم ليس كما كان في التسعينات. وذكر بهذا الخصوص: “لدى جيلنا قناعة أنه أدى ما يجب عليه، في الوقت الذي ينبغي، وبالوسائل المتاحة له. وقد يكون لجيل آخر رؤية مختلفة عن رؤيتنا، سيواصل بأفكار أخرى ووسائل أخرى وطرق أخرى ما أنجزه أسلافه”. وأضاف: “سيورث هذا الجيل بدوره، في الوقت المناسب الإنجاز الذي حققه إلى الجيل اللاحق. وهكذا فكل جيل من الأجيال يكون قد ساهم في البناء المتأني للصرح الدستوري، بخصوصية مسعاه وبصماته المتميزة. هكذا تنبني عبر الزمن بخطى ثابتة مع الاستمرارية والتنوع, أسس الأمم القوية بالإرادة الصلبة لشعوبها”. ويشبه هذا الخطاب، أيضا وإلى حد كبير، قول الرئيس في 08 ماي 2012 بسطيف: “جيلنا طاب جنانو”. وفهم الكثيرون حينها أنها لن يترشح لعهدة ثالثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى