الدين في خدمة السياسة
أعادت خرجات وزير الطاقة السابق، شكيب خليل، الجدل بخصوص موقع الزوايا في التجاذب السياسي، المرتبط بالمرحلة. وحاليا، تصاعد الجدل بشكل أكثر حدة، لما طغى الحديث عن الدور المفترض للزوايا وحتى المساجد، في المجتمع، وهل يجوز اتخاذهما منبرا سياسيا، رغم أن الدستور واضح في هذه النقطة، غير أن ما يلاحظه المراقبون لا يخرج عن الإقرار بوجود توظيف سياسي للمنابر الدينية، على مقاس “حلال عليكم حرام علينا”.
الذمة المالية للزوايا والأئمة تحت رحمة السلطة
خطر التوظيف السياسي يزحف على المرجعية الدينية بالجزائر
لم يسبق للمساجد وزوايا تدريس القرآن الكريم أن خضعت للتوظيف لأغراض تخدم السلطة ورجالها كما يجري استغلالها حاليا. ففي حالة الضعف والوهن التي يوجد عليها النظام، بسبب مرض الرئيس بوتفليقة وانسحابه من المشهد، يلجأ المسؤولون في البلاد إلى استعمال مديري الشؤون الدينية بالولايات، للضغط على الأئمة وشيوخ الزوايا وتهديدهم في ذمتهم المالية، لدفعهم إلى أداء أدوار تحت الطلب.
ما يلفت الانتباه في النشاط السياسي الذي يقوم به شكيب خليل في قالب ديني صوفي شعبوي، أنه انطلق من الزوايا الصغيرة. وهذا التصرف ليس اعتباطيا وإنما يستجيب لخطة مدروسة، الهدف منها على الأرجح قياس ردود فعل المواطنين والصحافة بشأن مسعى إعادة الاعتبار لوزير الطاقة سابقا المتورط في قضايا رشوة، قبل الانتقال إلى استغلال الزوايا الكبيرة. والمؤكد أن شيوخ الزوايا التي زارها خليل، ما كانوا ليستقبلوه لو لا أوامر من مدير الشؤون الدينية المختص إقليميا. والمؤكد أن هذا المدير لا يتصرف دون تعليمات وزير الشؤون الدينية والأوقاف.
ويفضل شيخ زاوية أن يصف ما يجري حاليا بهذه الجملة ثقيلة المعنى: “لحم الزوايا الصغيرة طري بالنسبة للقائمين على قطاع الشؤون الدينية”، يفهم من كلامه أنه يسهل ابتزازها في ذمتها المالية لأنها تعيش على المساعدات البسيطة التي تتلقاها من الوالي ورئيس البلدية، وأحيانا من مدير الشؤون الدينية. ويقول نفس الشيخ: “السلطات التي تدعم نشاط شكيب خليل في الزوايا، ربما لا تقدر تبعات مثل هذا التصرف. فمصداقية الزاوية القرآنية كمرجعية دينية أضحت على المحك، لأنها بهذه الطريقة تبيض صورة مسؤول متهم بالفساد، وسيكون من الصعب في المستقبل إقناع المواطن الباحث عن توجيهات وإرشادات دينية، بأن الزاوية هي المرجعية الأنسب. وانطلاقا من هذه الحقيقة، سيلجأ هذا المواطن إلى البحث عن مرجعيات دينية أخرى داخل الجزائر وحتى خارجها، وحينها ستشتكي السلطات من دخلاء على الدين ومن فوضى الفتوى واستيرادها من الخارج، وأخذها من أشخاص لا علاقة لهم بالإسلام. ألم نسمع هذا الكلام من وزير الشؤون الدينية الحالي محمد عيسى؟ فلماذا يسمح باستغلال الزوايا لتلميع صورة خليل، وهو يدري أن الأمر يتعلق بلعبة سياسية؟”.
ويذكر حافظ قرآن متطوع في زاوية: “شيخ زاويتنا استقبل بالسجاد الأحمر عندما زار بلدا إفريقيا مؤخرا، وحظي بحفاوة كبيرة. لكن المسكين لا يجد من يهتم بطلب بسيط رفعه للوالي ومدير الشؤون الدينية في منطقته، يتمثل في مبلغ مالي لترميم بناية الزاوية. وشيخنا متأكد بأنه سيطلب منه استقبال شكيب خليل بالأحضان، وإقامة زردة على شرفه، عندما يأتي الدور على زاويته كي يزورها خليل”. والثابت أنه لا وجود لصلة تنظيمية ولا قانونية للزوايا بوزارة الشؤون الدينية. غير أن سلطة المال وصلاحيات تشغيل قارئي القرآن، التي بين يدي وزير الدين، تجعل من شيخ الزاوية يخضع رغما عنه.
ويلاحظ المهتمون بالخطاب الديني الرسمي، أن توجيه خطب الأئمة بالمساجد في المدة الأخيرة، ابتعد عن الأغراض المرتبطة بالصالح العام، إذ يجري توظيفها في لعبة سياسية مفضوحة ورديئة الإخراج. الدليل على هذا، بيان الوزير عيسى الموجه للأئمة في مارس الماضي، الذي أمرهم في خطبة الجمعة بأن يدعوا المصلين إلى “الالتفاف حول قيادتنا الوطنية الرشيدة”. وتم وضع هذه التعليمات في “لباس” أشمل، ربطه الوزير بالأهوال الأمنية على الحدود. الدعوة لمساندة الرئيس بوتفليقة، في تعليمات عيسى، متصلة بحالة الضعف التي يشعر بها النظام، بسبب الشغور في السلطة الذي يعود إلى مرض الرئيس، وعجزه عن أداء الوظيفة الرئاسية. ويشتكي أكثرية الأئمة من ضغط مديري القطاع بالولايات. فقد تجد الواحد منهم يلقي خطبة نارية و”يصدح بالحق” فوق المنبر، لكنه سرعان ما يستكين عندما يأتيه الاستدعاء من مدير الشؤون الدينية.
وقد أصبح شائعا أن السلطة تمارس ما كانت تؤاخذه على الإسلاميين، وتحديدا الجبهة الإسلامية للإنقاذ لما كانت في أوج قوتها. فهي تستعمل الدين لتحقيق غرض سياسي، غالبا ما يكون في مصلحة الشخص وعصبته. والزوايا كمثال ظلت دائما إحدى الركائز التي اعتمدت عليها جماعة بوتفليقة أثناء حملات تمديد عهداته، لهذا أغدق عليها بالعطايا خلال 16 سنة الماضية. ويتضح أن السلطة تتخلى شيئا فشيئا عن أحزابها التي كانت تؤدي هذا الدور، ربما يعود ذلك إلى الضعف الذي يعاني منه الأفالان والأرندي والصراعات بداخلهما.